Selasa, 23 Maret 2010

yudaisme

المقدمة
مما لا شك فيه, أنه مهما برقت في سماء الصراع العربي الإسرائيلي بعض بوارق معاهدات السلام , فإن مؤشرات الأحداث بالنسبة للصراع العربي الإسرائيلي , ما زالت تؤكد على أن أطماع الصهيونية ونوايا الإمبريالية الإسرائيلية ا مدعومة من الإمبريالية الأمريكية في المنطقة العربية تشير إلى أن هذا السلام الواهي يحمل في طيات دمغته المائية احتمالات تجدد الصدام والحروب في أية لحظة.
ومن هنا , فان المعرفة العلمية بالواقع الإسرائيلي , وبالإنسان الإسرائيلي ,تصبح مطلبا ومسؤولية تقع على عاتق ذلك النفر من العلماء والباحثين العرب , الذين يهتمون بدراسة هذا الواقع, وذلك الإنسان.
و مما لاشك فيه أيضا أن مهمة ا لمشتغلين بالدراسات الإسرائيلية عامة, والمتخصصين في الدراسات العبرية في مصر بصفة خاصة(حيث توجد الأقسام المتخصصة في هذه الدراسات) هي تقد l ا لمعرفة الصحيحة ا لمبينة على أسس علمية بواقع الإنسان الإسرائيلي في إطار صحيح من المعرفة والتفسير والتنبؤ. وانطلاقا من هذه ا لمسؤولية , فقد آليت على نفسي أن أقدم هذا الجهد العلمي المتواضع للقارئ العربي ا لمهتم بهذا الجانب عامة , وللمتخصص بصفة خاصة.
»بالروح العدوانية تجاه العرب « لدى الشخصية اليهودية الإسرائيلية , لم تقف عند حد رصد عدد من عوامل خلق وتثبيت هذه الخاصية السلوكية , ومحاولة تأصيل جذورها في النفسية اليهودية قبل قيام دولة إسرائيل وبعدها , ولكنها حاولت أن تفسر ا لمغزى الكامن وراء هذا كله , استشراقا وتبوء باحتمالات السلوك الإسرائيلي الجماعي تجاه العرب , على ضوء هذه العوامل , استنادا إلى الوقائع وا لمؤثرات ا لمادية والنفسية التي يحفل بها سجل الماضي والحاضر.
وبالرغم من أن مجال الخلاف بين الباحثين في التفسير والتحليل يبقى أكبر بكثير من مجال الخلاف بينهم في الوصف والتسجيل , فإن الإقدام على هذا التفسير رغم ما قد يكتنفه من شبهة الذاتية , والخضوع للمؤثرات النفسية الخاصة بي كباحث عربي تجاه التجمع الإسرائيلي , تصبح , في النهاية , أمرا لامناص منه , تقتضيه ضرورات ا لمعرفة الشجاعة.
وقد حفزني للإقدام على هذه الدراسة أنني لاحظت أن هناك استخداما رائجا في مجال الدراسات الإسرائيلية على اﻟﻤﺠتمع العربي للشخصية العربية عامة , وللشخصية الفلسطينية , بصفة خاصة , بحيث نجد أوصاف »الطابع العربي « تنتشر في الكتابات والأبحاث الإسرائيلية التي تصدر عن مراكز البحوث التي أنشئت خصيصا لهذا الغرض.

الشخصية اليهودية فى إطار الإنعزالية الصهيونية
فشل حركة التنوير اليهودية وظهور الانعزالية الصهيونية:
في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر كانت أوروبا قد سئمت الحكم الاستبدادي الذي كان يسودها في ذلك الحين على يد ا لملوك والنبلاء والقساوسة الذين حطموا روح الشعوب. وحينئذ بدأ العلماء والفلاسفة في بث آراء جديدة عن دور الدولة وعن حق الإنسان في عرض رأيه في مختلف شؤون الحكم. وقد سميت هذه الحركة »حركة التنوير الأوروبية Enlightenment «
وكانت الصفة الأساسية لها هي السعي من أجل تحرير العقل الإنساني من القيود السابقة الخاصة بالإ .ان, ومن عبء الإرث التقليدي ا لموجود , وجعل الحياة علمانية وحرة.
وقد اعتبرت حركة التنوير الأوروبية , أن العقل هو مضمون وغاية الإنسان , وأنه الإدارة الرئيسة لبلوغ الحقيقة , ومن أجل خلق مجتمع إصلاحي. وقد حارب دعاة فكرة التنوير الاستبداد الخاص .بمباد ئ الكنيسة , وكل الآراء التي أثرت في ذلك العهد على الفكر الإنساني , وحياة الفرد والجماعة والدولة , ونفثوا في قلوب قرائهم حب الحرية وهكذا بدأت الروح العقلانية تظهر في أوروبا , وبرهنت على أنها ذات تأثير فعال مثلها في ذلك مثل الرأسمالية بالنسبة إلى النظام الإقطاعي القد l. ورويدا رويدا أصبح الدين مجرد فكرة شخصية ومسألة ضمير فردي , تحولت الكنيسة , وما .اثلها عند اليهود , وهو ا لمعبد , إلى جمعيات حرة ووظيفية تؤدي وظيفة محددة.
وكان هناك متحمسون لهذه الديانة الجديدة العصرية , ديانة ا لمنطق وكانوا يدهشون مما يجنى من جراء التمسك بالاضطهادات القدة , وحارات اليهود التي هي أمور بعيدة عن التبصر.
فبالنسبة للاضطهادات الدينية سارع العقلانيون ا لمتحررون من نير الكنيسة وتعاليمها إلى تطبيق ا لمبدأ ا لمذكور في موضوع الدين. لقد اعتبروا الفرق بين الدينين ا لمسيحي واليهودي غير ذي بال في الحياة ا لمدنية وقالوا: إذا كانت القرارات السياسية يجب أن يتخذها ا لمواطنون باستخدام عقولهم وبتعقلهم للأمور فما يهم أن يدين ا لمواطنون بأديان مختلفة
أما بالنسبة للانعزالية اليهودية داخل »الجيتو « فإن عددا كبيرا من الفلاسفة الفرنسيين, آمن بأن الشكل ا نطقي يحتم عليه أن ينظر إلى اليهود , بسبب ذلك , على أنهم أشخاص غامضون وخرافيون ومتخلفون ور .ا أقل استنارة من الفلا ين الكاثوليك. وقد أصر البارون دوباخ في مقاله »روح اليهودية « على أن الديانة اليهودية يتخللها البخل وروح ا لمصلحة الذاتية , في حين أن ديدرو , وصف اليهود في مقاله الذي كتبه في »دائرة المعارف Encyclopedia بأنهم شعب غامض ومتعصب «. بل إن فولتير ذلك الذكي الساخر , قد أماط اللثام عن عيوب النظام القد l في مزيد من القسوة والصلافة أكثر من أي كاتب آخر في القرن الثامن عشر , وكان يعتبر اليهود , من آثار السامية البدائية , حتى إنه اضطر لأن يقول: »إنك لتجد فيهم مجرد شعب جاهل ومتوحش زاول لمدة طويلة أخس أنواع البخل , وأبغض أنواع الخرافات , ويحمل
كراهية لا تعادلها كراهية لكافة الشعوب التي تسامحت معه وكانت سببا في ثرائه.
وقد كان هذا هو موقف ونظرة معظم زعماء الفكر التنويري الأوروبي نحو اليهود , نظرا لما كان يلف حياتهم من غموض وبدائية , لأن الدين اليهودي داخل نطاق الجيتو كان هو المحور الرئيس الذي تدور من حوله كل شؤون الحياة ا ليهودية. وهكذا لم يكن من ا لممكن أن يدخل اﻟﻤﺠتمع اليهودي في أوروبا الغربية في نطاق حركة التنوير أو النهضة لأنه لم يكن مهيأ ذالك ثقافيا وعاطفيا , وكانت الغالبية العظمى من اليهود في غرب أوروبا لا زالت تعيش في عالم تظلله ا لمعابد وروح التلمود , ولم يكن لديهم أي علم تقريبا بالتيارات الإنسانية التي تجري في الحياة خارج أسوار »الجيتو.
»ولكن رويدا رويدا بدأت الآراء الجديدة عن حرية الإنسان تدخل إلى حارات اليهود الضيقة , وحينئذ بدأ اليهود يشعرون بجو »بيت همدراش « ألضيق الخانق (مركز للعبادة والدراسة في آن وأحد) , وبعالم »الربانيم الخامات التلمودي ين القاسي ا المتزمت , ولم يعد يرى كثير من اليهود أي معنى لبعدهم الزائد. عن الشعوب التي بشرت بحب الإنسان وبالحرية وتفجرت في كل ناحية هتافات »لتخرج من الجيتو « ,و »لنتقرب من الشعوب « و »لنتعلم لغاتهم « و ج لنتثقف ونتعلم الحكمة والمعرفة
وبذلك بدأت حركة تثقيف عصرية بين اليهود , كانت بدايتها في أ لمانيا ,عبر عنها .ا سمي »حركة التنوير اليهودية « أو »الهسكالاه ٧« وهو الاصطلاح الذي استخدمه يهودا جيليتس لأول مرة عام ١٨٣٢ للدلالة على عصر النهضة الثقافية اليهودية الذي استمر من عام ١٧٥٠ إلى ١٨ .وقد رسم موسى مندلسون ( ١٧٢٩ - ١٧٨٦ ) الرائد الروحي لحركة الهسكالاه.
البرلينية وجهة نظر جديدة في الفكر اليهودي عندما أسدى النصح لليهود لكي ينبذوا »عقلية الجيتو « ويندمجوا في الشعوب التي يعيشون بينها. وأصبح مندلسون فيلسوفا شهيرا , وأشار إلى أن الأشخاص اﻟﻤﺨتلفين قد يكونون في حاجة إلى ديانات متنوعة لمواءمة شخصياتهم المتباينة , وأن اليهود ا المتدينين.كنهم كذلك أن يكونوا مواطنين مخلصين للوطن الذي يعيشون فيه.
وبالرغم من أن »الهسكالاه « , كما أدركها رائدها الروحي موسى مندلسون كانت حركة من أجل الإحياء الثقافي اليهودي , فإنه سرعان مازاد فيها الجانب الاجتماعي السياسي. فقد تغلب فيها السعي من أجل العشق الذاتي على السعي من أجل الإحياء الثقافي:
»لقد سعى اليهود للحصول على حقوقهم ا لمدنية الكاملة عن طريقالاندماج في اﻟﻤﺠتمعات التي يعيشون ب d ظهرانيها , ولأن يكون ولاؤهم الأول والأخير للبلاد التي ينتمون إليها , وليس إلى »قوميتهم الدينية « التي لا تستند إلى سند عقلي وموضوعي. وكان دعاة التنوير اليهودية (ا لمسكيليم) يرون أن هذا ينكن إذا ما .كن اليهود من اكتساب مقومات الحضارة الغربية العلمانية , وإذا ما قاموا بفصل الدين اليهودي عما يسمى »بالقومية اليهودية « حتى يتلاءموا مع الدولة العلمانية القومية في أوروبا. وقد نادى دعاة الاستنارة اليهودية بأن تكون الدراسات في مدارس التلمود مقصورة على الحاخامات وحدهم , وطالبوا بأن يرسل اليهود أولادهم لمدارس الأغيار, حتى يتقنوا كل الفنون العلمانية مثل الهندسة والزراعة , وشجعوا ينارسة ا لمهن اليدوية كما دافعوا عن تعليم ا لمرأة, وشجعوا الاندماج اللغوي , ونادوا بالقضاء على الييديشية , ودعوا إلى تعلم اللغة الأم , ودعوا إلى إحياء اللغة العبرية باعتبارها لغة التراث اليهودي الأصلي. وقد كان دعاة الاستنارة يؤمنون بالعقل , وبضرورة تقبل الواقع التاريخي المتعين , ولذا وجهوا سهام نقدهم إلى التراث القومي الديني اليهودي المغرق في الغيبية واللاتاريخية, فهاجموا فكرة »ا لماشيح « (ا لمسيح اﻟﻤﺨلص) وأسطورة العودة , وحولوا فكرة جبل صهيون إلى مفهوم روحي >أو إلى اسم »للمدينة الفاضلة « التي لا وجود لها إلا كفكرة مثالية في قلب الإنسان , وأصبح الخلاص هو انتشار العقل والعدالة بين الشعوب غير اليهودية , وليس بالضرورة مرهونا بالعودة إلى أرض ا لميعاد.
وقد حققت حركة التنوير اليهودية في غرب أوروبا , في هذا الاتجاه تغييرا شاملا في الحياة والفكر اليهوديين لقد أسقطت كل الفواصلالقومية التي تفرق بين اليهود وشعوب الأرض في سبيل مزجهم في أمةواحدة وغيرت كل صور الحياة اليهودية في البيت والشارع وا لمعبد , مستأصلة كل إشارة لأهداف سياسية أو صهيونية أو حياة قومية مختلفة وقد جرى غضب ا لمتنورين(ا لمسكيليم) بشكل خاص على ا لمعبد اليهودي لأنه كان مشبعا كله بالجو القومي اليهودي , وهاجموا التراث اليهودي الشفهي(ا لتلمود) وكتاب »شولحان عاروخ « مبقين فقط على التراث ا لمكتوب , وقاموا .حو كلمات »صهيون « و »أورشليم « من كتاب الصلوات , وحذفوا كل الصلوات التي تدعوا للعودة إلى صهيون , أو »إحياء مملكة إسرائيل «. ووصل كثيرون من دعاة الاستنارة اليهودية , ليس إلى حد إنكار القومية اليهودية فحسب , بل إلى حد إنكار الدين اليهودي ذاته. وفي معابد كثيرة منع استخدام اللغة العبرية واعتمدت الصلاة بالأ لمانية والفرنسية , كما كانت هناك محاولات لاستبدال يوم السبت بيوم الأحد.
وبالرغم من نجاح حركة التنوير , إلى حد كبير , في تحقيق أهدافها , في غرب أوروبا , إلا أنها جوبهت .قاومة شديدة في شرق أوروبا , التي كانت أسوار الجيتو فيها أكثر سماكة , وكانت قوى ا لمعارضة فيها للتغيير (الحسيدية والربانيم),( ١١ ) أكثر شراسة. واﻟﻤﺠال لا يسمح هنا .ناقشة الظروف وا لملابسات التي أدت إلى فشل حركة التنوير اليهودية في شرق أوروبا في تحقيق أهدافها > إذ أن هذا ا لموضوع مرتبط بقضايا متعددة تخرج عن نطاق هذا البحث , ولكن الذي يهمنا هنا هو أن هذه الحركة قد ساهمت بشكل أو بآخر ي الإعداد الفكري للصهيونية , وذلك في اﻟﻤﺠالات التالية:
1-هاجم دعاة الاستنارة فكرة انتظار ا لمسيح الذي سيأتي بالخلاص, ونادوا بأن على اليهود أن يحصلوا على الخلاص بأنفسهم , وقد أزالت هذه الدعوة الحاجز الوجداني الذي كان يقف بين اليهود ا لمتدينين والصهيونية , إذ أنه أصبح من ا لممكن العودة لفلسطين دون انتظار لمقدم ا لمسيح.
2-خلقت حركة الاستنارة طبقة متوسطة يهودية متشربة بالثقافة اليهودية والولاء الكامل لتراثها الديني الغيبي , ولكنها مشبعة بالأفكار السياسية والاجتماعية الغربية من قومية إلى اشتراكية, وهذا الازدواج الفكري أو التعايش بين نقيضين هو الذي أفرز القيادات والزعامات الصهيونية القادرة على التحرك في إطار معتقداتها الغيبية , ولكنها تجيد في الوقت ذاته استخدام ا لمصطلحات والوسائل العلمانية.
3-انتقد مفكرو حركة الاستنارة اليهودية الشخصية اليهودية بسبب طفيليتها وهامشيتها , وأكدوا على أهمية العمل اليدوي والعمل الزراعي , وطالبوا بتحويل اليهودي إلى شخصية منتجة , وهذه قضية ورثها الصهاينة ودعاة معاداة السامية.
4-بعث دعاة حركة الاستنارة اليهودية البطولات العبرية القد .ة أمثال شمشون وشاؤول , وذلك حتى تنفض الشخصية اليهودية عن نفسها شيئا من خنوعها , وتصبح شخصية سوية .تلئ بالحيوية.
5-أدت آراء مندلسون إلى انقسام اليهود , فقد أراد جانب منها أن يصبح مواطنا عاديا , بينما خشي الجانب الآخر من الاندماج اليهودي في الحضارات الأخرى وامتصاصهم بالتالي , وضياع الصفات اليهودية ا لمميزة. وشكلت الصهيونية الوجه ا لمعبر عن هذا الخوف من الامتصاص.
وقد عبر ناحوم جولدمان الرئيس السابق للمنظمة الصهيونية العالمية عن ذلك الاتجاه في خطاب ألقاه في ١٦ مارس ١٩٦٣ في إحدى اجتماعات ا لمنظمة بقوله: »إن الاندماج هو الخطر الكبير الذي يهددنا منذ اللحظة التي خرجنا فيها من الجيتو ومن لمعتقلات.( ١٤ ) ومعنى هذا من لمنظور الصهيوني أن خروج اليهودي من قوقعة الجيتو يعرضه لعوامل التطور , التي إما أن تحيله إلى كائن جديد وإما أن تقضي على ذاتيته اليهودية , إن لم يتواءم بالبيئة الجديدة , وهو ما خشي منه الصهاينة.
- وبالإضافة إلى العوامل السابقة , فإن حركة التنوير , بإحيائها اللغة العبرية كلغة أدبية > وبإذكائها نيران الحب لصهيون وفلسطين و .جيدها للأسلاف , كانت .ثابة ا لمدخل الحقيقي لانتشار ا لمثل الأعلى القومي ب اليهود.
وبفشل حركة التنوير اليهودية , فشل الحل الاندماجي , لما يسمى با لمسألة للأسلاف , كانت .ثابة ا لمدخل الحقيقي لانتشار ا لمثل الأعلى القومي بين اليهود.
وبفشل حركة التنوير اليهودية , فشل الحل الاندماجي , لما يسمى با لمسألة اليهودية في العالم, وساهمت عدة عوامل أخرى مثل: ظهور القوميات في أوروبا , و .و الرأسمالية في العالم , وازدياد موجة معاداة السامية , وحادثة اغتيال القيصر الكسندر الثاني في مارس ,١٨٨١ واتهام أحد اليهود بقتله ,ونشوب موجة من الاضطهاد ضد اليهود في روسيا , في التمهيد من أجل طرح الحل الصهيوني باعتباره الحل الوحيد لهذه ا لمسألة. وحينما ظهرت الصهيونية على مسرح الأحداث وحدثت في داخلها الاختلافات والتناقضات اﻟﻤﺨتلفة في وجهات النظر حول العديد من القضايا على امتداد خريطة الفكر الصهيوني من »العلمانية « إلى الدينية « بدرجاتهما اﻟﻤﺨتلفة , كانت فكرة عودة اليهود إلى أسرة الشعوب , أو نظرية »لنكن شعباً مثل سائر الشعوب « .ثابة الخيط الثاني الذي .ر عبر كل الفكر الصهيوني, أو الشعار الذي يجمع ا لمعسكر الصهيوني كله. كذلك فإنه بالرغم من وجود خلافات حول كل القضايا- .ا في ذلك العودة إلى صهيون , والسيادة اليهودية وغيرها-إلا أن قضية إعادة بناء اليهودي كمخلوق يهودي جديد , وضرورة إخراجه من ظلام »الجيتو « وجعله شريكا لأسرة الشعوب في العالم , كانتهي القضية التي لا خلاف عليها أيضا بين كل تيارات الفكر الصهيوني. وعلى هذا الأساس فإن الفكر الصهيوني توصل في تحليلاته للواقع اليهودي إلى أن انحطاط »اليهودي الجيتوي « هو الذي يفسر ولو بصورة جزئية , كراهية اليهود , وأصبح »الجيتو « .ثابة مرض لا بد من علاجه (لم يعد »المنفى « بركة أنعم بها الرب على شعبه اﻟﻤﺨتار , أو عقوبة , بسبب أخطائه .(
»ا لمنفى « بركة أنعم بها الرب على شعبه اﻟﻤﺨتار , أو عقوبة , بسبب أخطائه .( السامية في العالم الغربي على اعتبار أن اليهود هم ا لمسؤولون عنها , لدرجة أن هرتسل في كتابه »دولة اليهود ١٨٩٦) (عالج قضية كراهية اليهود بصورة بعيدة عن الانفعال ومتفهمة لمعاداة السامية التي رأى فيها مرضا يهدد كلا من اليهود والشعوب التي يعيشون بينها. و .كن القول بأنه مع نهاية الثمانينات من القرن التاسع عشر , ومع فشل حركة الهسكالاه كحركة اندماجية يهودية شاملة , كانت هناك ردود فعل يهودية أربعة على النحو التالي:
1.ردود الفعل الفردية , بأن يعتنق الشخص دينا آخر , وإذا لم يكف ذلك فإنه يندمج .اما بل يتخذ لنفسه اسما آخر لكي .حو .اما أي أثر لأصله اليهودي , على غرار ما اتبعه اليهود في مرحلة التأغرق حيث كان ص ت يسمى عيسى يسمى نفسه عيسون مثلا , وقد تكرر هذا عندما تحول كل من يطلق عليهم اسم موسى إلى اسم موريس. وتلك حلول فردية , ولا .كن إلا أن تكون فردية.
2. ا لمشاركة في الحركات الليبرالية أو الاشتراكية لتغيير اﻟﻤﺠتمع , على أساس أن ذلك التغيير سيحقق الخلاص من معاداة السامية. ولذا فقد اختار عدد من اليهود ا لمشاركة مع الآخرين في تلك الحركات الليبرالية من جانب , والاشتراكية من جانب آخر.
3. القومية الإقليمية , ومثال ذلك اليهود ا لمتحدثون بلغة الييديش في أوروبا الشرقية , الذين كانوا يطالبون مثلا بالاستقلال الثقافي , أي أن يكون كل يهود الإمبراطورية الروسية هيئة خاصة لها حق انتخاب جالية و Bثل d لها... الخ وكانت هناك عدة أشكال من القومية الإقليمية منها الشكل الاشتراكي ا لمعروف وهو الحزب الاشتراكي الد .وقراطي اليهودي ا لمعروف بإسم »البوند «. وقد انتهى أمر هذه الحركة بالحل السوفيتي.
4.القومية الشاملة التي تجمع كل اليهود بهدف خلق قومية يهودية لها أرضها الخاصة , وهذا ما يسمى الصهيونية. وقد اتخذ هذا الاتجاه أشكالامختلفة ابتداء من أقصى اليسار إلى أقصى اليم ,d .ا في ذلك الأشكالالاشتراكية ا لمقصورة , مع ذلك , على الأمة اليهودية ا لمتوقعة , وهي القوميةالتي اتجهت .طالبها نحو فلسطين العربية , حفاظا على الشخصية اليهودية التي كانت في طريقها إلى الاختفاء والتصفية.
- ويقول دافيد وينز: »لقد كان هناك بديلان لوضع اليهود: فلقد رأى اليهود في غرب أوروبا أن الحل يكمن في التشبه Assimilation كعضو متساو في الحقوق. وكانت فكرة أن اليهود أمة بغيضة بالنسبة له > حيث انه كان يعتبر أن اليهود لا يشتركون إلا في الدين فقط بشكل عام. أما اليهودي في شرق أوروبا فقد تطلع إلى النموذج القومي على اعتبار أنه من ا لممكن أن يصوغ قدره داخل إطار أمة مستقلة لا تعتمد إلا عليه. وكان الإطار المحدد الذي تبنته الصهيونية لحل ا لمشكلة اليهودية هو حياة الجيتو في روسيا وشرق أوروبا.
ومن أجل ذلك فقد أيد الصهاينة القومية اليهودية , ورفضوا في نفس الوقت جهود اليهودي الغربي من أجل الاندماج داخل اﻟﻤﺠتمع الأجنبي , أو أن يكون معتوقا وفق ا لمفاهيم الخاصة بالشعوب غير اليهودية ١٧).« ويتفق الصهاينة مع ا لمدرسة ا لمنافسة لهم , وهي مدرسة الفكر اليهودي ا لمتحرر التي تنادي باندماج اليهود في كل دولة في عناصر تلك الدولة , في الرغبة في علاج اليهود من ضعفهم كطائفة شاذة > لكن تختلف نظرة كل من ا لمدرستين في التطبيق.
لقد كان قوام ا لمثل الأعلى للاندماجيين هو أن يصبح اليهودي في هولندا أو إنجلترا أو أمريكا مجرد مواطن هولندي أو إنجليزي أو أمريكي , يهودي الدين. ويستندون في ذلك إلى أنه ليس ثمة ما يبرر إخفاق ا لمواطن اليهودي في أي بلد مستنير في أن يصبح مواطنا مندمجا راضيا في هذا البلد , ﻟﻤﺠرد تصادف توجهه إلى ا لمعبد اليهودي يوم السبت عوضا عن الذهاب للكنيسة يوم الأحد.
- ويرد الصهاينة على ذلك بإجابين:
الأولى: تشير إلى أنه بفرض قدرة طريقة الاندماج على أحداث النتيجة التي ينسبها لها ا لمدافعون عنها , فإنها قابلة للتطبيق فقط في تلك البلاد ا لمستنيرة. وأمثال هؤلاء اليهود يكونون أقلية ضئيلة جدا من يهود العالم.
الثانية: تدعي أنه في ظل أحسن الظروف لن يتأتى حل ا لمشكلة اليهودية بهذه الطريقة لأن كون ا لمرء يهوديا أبعد مدى من مجرد كونه يهودي الدين. فاليهودي الذي يسعى لتحويل نفسه إلى هولندي أو إنجليزي أو أمريكي يشوه-في أعين الصهاينة-شخصيته اليهودية , وأحرى به أن تنفذ عملية الاندماج على أساس قومي لا فردي. فبدلا من محاولة الاندماج يجب على اليهود أن يتحولوا إلى شعب .اثل الشعب الإنجليزي , بإنشاء وطن قومي له يغدو فيه سيدا.
وهكذا .كننا أن نفهم مخاوف الصهاينة من الإندماج اليهودي في الشعوب الأوروبية. إن هذا الاندماج كان يعني في ا لمقام الأول امتصاص اليهود كأقلية في نطاق الأغلبية , وهو ما سوف يؤدي مع توالي الأجيال إلى فقدان الشخصية اليهودية لخصائصها التي .يزت بها عن طريق حياة العزلة داخل الجيتو. ومن هنا كان لابد من أن تراودهم الأحلام في إنشاء وطن قومي لليهود (أو .عنى أصح جيتو كبير) يحولون فيه اليهودية إلى مجتمع يبقى متماسكا عن طريق القومية.

0 komentar: